بالتأكيد.. ستدع لي إبرة وفتلة!ـ

في أحد الأيام كنت أُعدد لابنة خالتي الدورات التدريبية التي تلقيتها والتي كنت أتلقاها وقتها في أشغال الإبرة؛ أثناء كلامي لاحظت أنها كانت تتأملني بإعجاب وغبطة رأيتهما غريبين في الواقع، فالأمر أبسط من هذا بكثير، أنا لا أتلقى دورات في علم الذرة!.. صمتنا لوهلة لأجدها تتكلم بعدها بانبهار -سارح في شيء ما- قائلة: "أريد أن أتعلم تلك الأشياء أيضًا يومًا ما.. بل يجب علي تعلمها!.. فإن أخذت مني الدنيا كل شيء.. بالتأكيد ستدع لي إبرة وفتلة لأعيش!"


سمعت كلماتها مشدوهة، وتجمد تعبير وجهي على ابتسامة بلهاء نوعًا لوهلة.. ثم مالبثت أن زفرت ضحكة مقطوعة: "نعم، لديك حق.. يجب أن تدع إبرة وفتلة.. إن شاء الله!!!"

هي تريد الحد الأدنى من المؤهلات الذي يكفيها شر العوز لا قدر الله.. ربما هذا يتماشى مع مقولة: "اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم"  ظننتها حديث شريف لكن لم أجدها كذلك
أعجبتني وجهة نظرها.. في الواقع أنا كنت أتلقى تلك الدورات من باب شغل أوقات الفراغ واستغلال يدي في شيء مفيد ولطالما أردت ذلك، وبما أن أعمال الفلاحة لا تصلح لي، مثلها مثل الحدادة، والسباكة التي أمارسها بحدود في البيت، والكهرباء التي أخشاها.. وأعمال النجارة التي حاولت ولم أستطع اتقانها، حيث كان هناك شبه ثأر "دائـم" بين المطرقة والمسمار اللذين يقعا في يدي، يقع ضحيته اصبعي أو يفر المسمار هاربًا منثنيًا على نفسه إلى أي مكان، المهم أن يبتعد عن الخرقاء الممسكة به!

في النهاية وجدت أشغال الإبرة أكثر ملائمة لقدراتي المتاحة، وهي ليست بمحدودة على كل حال ولله الحمد.

بدأت في تعلم "التريكو" في صغري أيام كانت أمي تتركني وأخوتي لدى جدتي في الأجازة وتذهب لعملها. لا أذكر أنني أنهيت يومًا شيئًا مفيدًا به من بعد طول إمساك بالإبرتين وبكرة الخيط. حيث أُصبح معه مثل الشخصية الكرتونية التي كان يعرضها التلفاز في طفولتي في مقدمة أحد برامج المرأة يوم الجمعة.. كل ما كانت تفعله هو تحريك الإبرتين بلا توقف، فينتهي البكر وينتج شيء طويل كالكوفية ليس له أي معنى، هذا هو بالضبط ما أفعله إلى الآن كلما أمسكت بتلكما الإبرتين، مع اختلاف عظيم هو تغيير شكل الغرز!

صنع الحلي من الخرز.. فن جميل مارسته مع أمي في صغري واستمتعت به كثيرًا، لكنني لم أعد أمارسه دون سبب واضح سوى الكسل عن شراء متطلباته :$

أما عن "الكروشيه"، رأيت أمي تشتغله كثيرًا وتعلمت منها مبادئه، إلا أن بدايتي الحقيقية معه كانت بعد تخرجي حيث وجدتني في فراغ مطلق مفاجئ! فدأبت على مواقع تعليمه العربية والأجنبية أنهل طرق شغله. أعظم إنتاج أنتجته به إلى الآن حقيبة،ونطاق رقيق، ووشاح أنيق أرتديه في المناسبات ^_^

"رسم الباترون والتفصيل" تلقيت فيهما دورات وحصلت على شهادات معتمدة من وزارة "التجارة والصناعة" -على ما أذكر- ياللفخر!!.. مازلت رغم ذلك لا أعرف على أي أساس تنضبط حردة الكم مع حردة الإبط :( !!!.. كلما واجهت تلك المعضلة أشعر أنني بحاجة لابتداع طريقة رياضية لحلها :S
حتى بعد تلقي الدورات التدريبية لم أجد معلم لرسم الباترون والتفصيل أفضل من الكتب القديمة! نفعتني كثيرًأ، وأنتجت بعض الملابس ارتديتها فعلاً :)

"اللاسيه" شعرته أكثرهم رقيًا، فطريقة شغله تذكرني بالنساء الأرستقراطيات التي كنا نشاهدهن في التلفاز في صغرنا، فهو عبارة عن ورق مقوى نثبت به خيوط ملونة سميكة بشكل فني معين، ثم نشبك الخيوط ببعضها بخيوط أرق، ثم نفك عنها الورق في النهاية!.. أكثر إنتاجي كان منه من بعد الكروشيه، وتعلمته من كتيب تعليم أهدته لي أمي بارك الله فيها :)

"الكانفا".. ممم لم أنتج به شيء يستحق الذكر، ولا أراه ذي جدوى على أي حال، فما فائدة التلوين بالخيط على قماش ملون بالفعل! إن لم أكن أنا من رسم الرسمة فالموضوع في غــاية الملل.

التطريز بالخيط.. ظريف، لكن لم أنتج به شيء كذلك إلى الآن، ومثله التطريز بالخرز.

"فن الخيامية" أو شبيهه الأجنبي "الكويلت" قرأت عنه كثيرًا، وأصبحت أتقنه نظريًا، إلا أنني لم أطبق منه شيء على أرض الواقع :$

جربت صناعة السجاد وتوقفت قبل إكمال الدورة، فقد بدأت مع سجادة من الحجم الكبير بعدما أقاموا النول بالفعل دون أن أحضر هذا، وليقيموا آخر علينا إنهاء السجادة الحالية.. فشعرت نوعًا ما بالاستغلال فأنا أدفع مقابل شهري عن عملي في السجادة التي سيبيعونها في النهاية بالآلاف دون أن ينالني منها شيء إلا تعلم كيفية عقد الغرزة مع قدر لا بأس به أبدًا من آلام الظهر، وعضلات في ذراعي من الدق على كل سطر ننهيه. وهكذا أغلقت صفحة السجاد من حياتي.. إلى الآن على الأقل!


هذه كانت قصصي مع أشغال الإبر والفتلات :)
وأعتذر إن كانت مملة، أو كانت أسماؤها -بعضها أو أغلبها- مبهمة لمن لم يسمع بها من قبل!

5 ...تعليقات:

E73 يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد نسيتي من ضمن إنتاجك للكوروشيه هذه البلوزة أو لست أدري ما يجب أن يطلق عليهاالتي ارتديتها في خطبة شقيقتك
:)

أعتقد أنها بالفعل يجب أن تترك إبرة وفتلة

مسلمة يقول...

E73..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كنت أذكر على سبيل المثال لا الحصر
تشعريني دومًا أنك هنا للتصديق والتدقيق على الحقائق ^_^

كان من دعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .اللهم إني أعوذ بك من الفقر ، والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أَظلِم أو أُظلَم.. آميـن

عـلي يقول...

يا لكِ من مجتهدة فعلاً

الفراغ قد يكون نعمة أو نقمة على حسب ما يُقرِر صاحبه كيفية استغلاله

إحساس جميل أن يصنع الإنسان بنفسه شيئاً مفيداً يمكنه أن يستخدمه في حياته اليومية .. إحساس جميل أن تكون مُنتجاً

..

باترون .. لاسيه .. خيامية .. كويلت .. و"كنافة" كمان ! .. ما كل هذا التعقيد .. بالنسبة لي كان كل هذا يندرج تحت إسم "التريكو" الكلمة التي لم أحاول معرفة أصلها من قبل .. وإن كانت تبدو وكأنها فرنسية.

مسلمة يقول...

علي..

"إحساس جميل أن تكون مُنتجاً"

الأجمل أن يكون إنتاجك مفيد للآخرين.. لا أظنني أفدت الآخرين بما تعلمت من تلك الأشغال إلى الآن سوى بشغل نفسي عنهم..ممم ربما تكون فائدة جمة ولا أدري!

"كنافة"!!!>> نوبة ضحك متواصل ^^"
اسمها"canvas"
يبدو أنها فرنسية الأصل فحرف الإس لا ينطق.. ربما أنا كتبتها بطريقة خاطئة لأننا اعتدنا نطقها بطريقة خاطئة.. كان يجب عليّ كتابتها "كانفا"
عذرًا

بالنسبة للتريكو.. ربما تكون كلمة فرنسية أيضًا لأنها تنتهي بحرف "تي" لا ينطق "tricot"

هذه مجرد تخمينات لست متأكدة من منشأ الكلمتين فلست متخصصة لغوية ولا أعرف تاريخ الحروف اللاتينية!

Kariman Al Essawy يقول...

ذكرتيني بأشياء جميلة جدا فكان لي نصيب من هذه الأعمال منذ صغري، وقمت بعمل كوفية لزوجي من الكروشيه، وأيضا واحدة لنفسي.
غريبة تلك الكلمة من ابنة خالتك كأنها مليئة بالحزن لا أعلم، أرجو لها كل التوفيق والسعادة في حياتها.
بالنسبة للغة: نعم فرنسية، كل هذه الصناعات قديما كانت في فرنسا، ولأنه كان مجتمع راقي فكان المجتمع الانجليزي دائما يفعل مثله في كثير من الأشياء، كما كانت نساء الانجليز قديما يقُلن بعض الكلمات الفرنسية في كلامهن ليدل ذلك على رقيّهن، ومن هذه الكلمات ما أصبح جزء من اللغة الانجليزية الآن ولكن أصله فرنسي بالفعل.

 

الحقوق محفوظة © فلة الكنانة. Template created by Volverene from Templates Block